يوم ذكرى إعلان الاستقلال

يحيي شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من كل عام، ذكرى إعلان وثيقة الاستقلال.

في مثل هذا اليوم اعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر، أمام المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر عام 1988، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف”؛ وذلك استناداً إلى الحق الطبيعي، والتاريخي، والقانوني، للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين؛ وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ 1947؛ وممارسة الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير المصير، والاستقلال السياسي، والسيادة فوق أرضه.

في مثل هذا اليوم، نتذكر شاعر فلسطين الراحل محمود درويش الذي صاغ وثيقة إعلان الاستقلال بكل دقة وحرص وبلاغة؛ حيث لخّص فيها آلام وأحلام وطموحات أبناء الشعب الفلسطيني الذي يخوض ببسالة انتفاضة 1987 في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية، راوياً بدمائه ثرى وطنه، ومسجلاً ملحمة تاريخية من ملاحم البطولة والفداء .

لقد جاء إعلان وثيقة الاستقلال رسالة سلام فلسطينية موجهة للعالم أجمع، تقول: إن الفلسطينيين يريدون العيش بأمن وسلام على جزء من أرض  فلسطين التاريخية، مقدمين بذلك تنازلاً مؤلماً من أجل إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

أكدت وثيقة إعلان الاستقلال أن دولة فلسطين دولة عربية، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية من تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة.

وأمام هذه الرسالة التي أبرقها المجلس الوطني الفلسطيني، سارعت دول العالم المحبة للسلام والعدل والمؤمنة بحق الشعوب في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها بيدها – إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المعلن عنها في وثيقة الاستقلال، وفتحت أبوابها لإقامة سفارات وممثليات فلسطينية على أراضيها.

إلا أن إسرائيل رفضت القرار الفلسطيني التاريخي والشجاع، واستمرت بسياساتها المعادية والقمعية للفلسطينيين، وباحتلالها للأراضي الفلسطينية، وعملت جاهدة على فرض هيمنتها عليها بتهويدها، وبناء المزيد من المستوطنات عليها لتغيير الوقائع على الأرض؛ للحيلولة دون تحقيق الحلم الفلسطيني المنشود بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

منذ ذلك اليوم، بدأ الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد (منظمة التحرير الفلسطينية) معركتهم المصيرية لتحقيق تجسيد حلم الدولة الفلسطينية على أرض الواقع مستخدمين كل الوسائل النضالية المشروعة، وكانت عودة القيادة الفلسطينية إلى أرض الوطن، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية هي الخطوة الكبرى نحو تحقيق حلم الدولة؛ وذلك من خلال بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية كامتداد لمؤسسات ودوائر منظمة التحرير الفلسطينية، لتشكل بذلك اللبنات الأساسية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وصولاً إلى إيمان المجتمع الدولي بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة؛ وذلك من خلال العديد من المبادرات التي تحمل الصبغة الدولية، كالمبادرة العربية؛ إلا أن تعنت إسرائيل ورفضها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين، وتجاهلها للمبادرات الدولية للسلام، وعدم انصياعها لقرارات الشرعية الدولية- ما زال يمثل حجر العثرة أمام سيادة الفلسطينيين على اراضي دولتهم الفلسطينية المستقلة.

ورغم إعلان وثيقة الاستقلال؛ ما زال الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، وما زالت إسرائيل تواصل جرائمها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتستمر في استيطانها وسلبها الأراضي الفلسطينية، وتمارس سياساتها العنصرية بمواصلة بناء المستوطنات وجدار الضم والتوسع والفصل العنصري، وتعمل على تهويد القدس وتهجّر أهلها وتهدم منازلهم، وترتكب جرائم الحرب، وترفض الانصياع للشرعية الدولية.

وفي المقابل، ما يزال الشعب الفلسطيني وقيادته متمسكين بثوابتهم وبحقوقهم الوطنية، ويؤمنون بأن الطريق الوحيد نحو تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة انهاء الاحتلال الاسرائيلي والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بكامل السيادة على اراضي دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ونيل كامل حقوقه الوطنية المشروعة.

وفي هذا الإطار نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 29 تشرين الثاني 2012 في الحصول على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد دولة فلسطين بصفة “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة.

إن وثيقة الاستقلال هي مصدر فخر واعتزاز سياسي وثقافي وتاريخي للشعب الفلسطيني، وهي تلخص إرادته وطموحاتهِ الوطنية في إنجاز استقلاله وإقامة دولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، ومناسبة يؤكد فيها شعبنا وقيادته التمسك بالثوابت الوطنية، ورفض كل الصفقات المشبوهة التي تتجاوز الحقوق الفلسطينية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية؛ وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وحق العودة.

في هذا اليوم ينحني أبناء شعبنا إجلالًا واكرامًا لأرواح الشهداء الذين أضاءوا بدمائهم الطاهرة درب الحرية والكرامة والانتصار ويؤكدون أنهم باقون على العهد والقسم.